صفحة رئيسية > العلاقات الصينية العراقية > آخر الأخبار
وزير الخارجية وانغ يي يجري مقابلة خاصة مع قناة الجزيرة القطرية
2014-01-10 01:23
 


أجرى وزير الخارجية وانغ يي في بجين مؤخراً مقابلة خاصة مع قناة الجزيرة القطرية، وفيما يلي نص المقابلة:

س: اُختتمت جولتكم الأولى في منطقة الشرق الأوسط التي شملت 5 دول وهي فلسطين وإسرائيل والجزائر والمغرب والسعودية، فما هي الأهداف لهذه الجولة، وما هو تقييمكم لنتائجها؟

وانغ يي: هذه هي الجولة الأولى بالنسبة لي في منطقة الشرق الأوسط كوزير الخارجية في الحكومية الصينية الجديدة، ونسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف من خلالها، أولاً، مواصلة الصداقة، ثانياً، تعزيز التعاون، ثالثاً، النصح بالتصالح والحث على التفاوض.

إن الصداقة الصينية العربية تضرب جذورها في أعماق التاريخ، وكانت الصين مرتبطة بالعالم العربي قبل أكثر من 2000 عام من خلال طريق الحرير، ومنذ العصر الحديث، ظلت الصين تدعم بثبات نضال الدول العربية لنيل الاستقلال والتحرر الوطنيين. ونسعى إلى مواصلة تطوير الصداقة التقليدية بين الصين والدول العربية وتعزيزها. وتم تحقيق هذا الهدف من خلال هذه الجولة في المنطقة، حيث لمستُ شخصياً المشاعر الطيبة التي تكنها الدول العربية والشعوب العربية تجاه الصين والشعب الصيني.

تعمل الصين على تعزيز التعاون مع دول المنطقة لتحقيق المنفعة المتبادلة والكسب للكل، بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية في العام الماضي ما يقرب من 300 مليار دولار، وأصبحت الصين أكبر شريك تجاري لكثير من الدول العربية. وحسب الإحصاءات غير الدقيقة، بلغ إجمالي قيمة العقود التي تم إبرامها بين الصين ودول المنطقة في مجال المقاولة الهندسية 120 مليار دولار. كما عملنا كثيراً لبناء البنية التحتية لدول المنطقة، بما فيه الكثير من الطرق والجسور، وأنشأنا مصانع عديدة. كما شهد حجم الاستثمارات الصينية المباشرة في المنطقة ارتفاعاً سريعاً في السنوات الأخيرة، وقد بلغ هذا الحجم حتى الآن ما يقرب من 10 مليارات دولار، وما زال ينمو بسرعة فائقة.

عُقدت في الصين مؤخراً الدورة الكاملة الثالثة للجنة المركزية الـ18 للحزب الشيوعي الصيني، وتم وضع فيها تخطيط هام لتعزيز الإصلاح والانفتاح على نحو شامل، وهذا سيأتي بفرص مهمة وجديدة للتعاون بين الصين ودول المنطقة. ستعمل الصين على بناء حزام اقتصادي لطريق الحرير يعبر قارتي آسيا وأوروبا، وفي نفس الوقت، بناء طريق الحرير البحري الذي يصل المحيط الهادئ بالمحيط الهندي. وسنجد على الخريطة أن هاذين الطريقين يتلقيان في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي سيأتي بفرص سانحة ويبشر بآفاق واعدة للتنمية المشتركة والازدهار المشترك للصين ودول المنطقة. وقمتُ بالتباحث مع القيادات العربية خلال هذه الجولة في مجموعة من الأفكار الجديدة والسبل الجديدة للتعاون. إن الصين منفتحة لتقاسم خبرتها مع جميع الدول في تطوير السكك الحديدية الفائقة السرعة، وهي على استعداد للمشاركة في بناء شبكات السكك الحديدية في دول المنطقة، بما يعود بمزيد من الخير والفوائد على دول المنطقة وشعوبها.

يمر عدد من القضايا الساخنة في الشرق الأوسط بتغيرات، فإن هدفاً مهماً من أهداف جولتي هذه هو مواصلة تنفيذ "الرؤية الصينية ذات النقاط الأربع" التي طرحها الرئيس شي جينبينغ لحل القضية الفلسطينية. كما ناقشتُ مع قيادات هذه الدول حول المسألة السورية وملف إيران النووي وغيرهما من القضايا محل الاهتمام المشترك. إن الصين كصديق لدول المنطقة، مستعدة للعب دور أفضل لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. وإن هذه الجولة حققت أهدافها المرجوة بشكل عام.

عندما زرتُ الجزائر، أوضحتُ بشكل منهجي سياسة الحكومة الصينية الجديدة تجاه الدول العربية، التي يمكن استخلاصها بـ"الدعم الصيني على 4 مستويات"، وهي دعم الدول العربية للسير على الطرق التي تختارها بأنفسها، ودعم جهود الدول العربية الرامية إلى حل القضايا الساخنة في المنطقة بطرق سياسية، ودعم التنمية الصينية العربية المشتركة القائمة على المنفعة المتبادلة والكسب للكل، ودعم الدور الأكبر للدول العربية في الشؤون الدولية والإقليمية، بما يصون حقوقها ومصالحها المشروعة. هذا يمثل موقف الصين الأكثر أساسية، ويتفق مع إرادة الشعوب العربية ومصالحها الأساسية.

س: تم استئناف مفاوضات السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، غير أن عملية السلام في الشرق الأوسط تواجه عدداً من العراقيل والتحديات بسبب قيام الجانب الإسرائيلي بتوسيع المستوطنات وغيره، فكيف ينظر الجانب الصيني إلى مستقبل عملية السلام؟ كما أن الصين هي الوحيدة التي لم تنضم إلى اللجنة الرباعية من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، فهل ستنضم الصين إلى هذه الآلية؟ وما هو الدور الصيني المتوقع في عملية السلام للشرق الأوسط؟

وانغ يي: تبقى القضية الفلسطينية قضية ساخنة منذ وقت طويل. وإن بقاءها دون حل سيحول دون تحقيق السلام في الشرق الأوسط برمتها. وظلت الصين تبذل الجهود لحلها كدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي. ففي مايو الماضي، استضفنا الزيارتين المتزامنتين للقيادتين الفلسطينية والإسرائيلية، وبذل الرئيس شي جينبينغ جهوداً خاصة لدى الجانبين، حيث طرح "الرؤية الصينية ذات النقاط الأربع" لحل القضية الفلسطينية، مؤكداً على أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة والتعايش السلمي بين دولتين فلسطين وإسرائيل يمثلان الاتجاه الصحيح لحل القضية، وأن مفاوضات السلام هي الطريق الواقعي الوحيد لتحقيق السلام الفلسطيني الإسرائيلي، وأن "مبدأ الأرض مقابل السلام" وغيره من المبادئ تشكل أساساً مهماً لتعزيز عملية السلام في الشرق الأوسط، وأن الدعم الدولي هو ضمان ضروري لتدعيم عملية السلام. إن هذه الرؤية التي طرحها الرئيس شي جينبينغ شاملة ووجدت صدى واسعاً وإيجابياً لدى الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي والمجتمع الدولي بِأسره.

أجريتُ مباحثات مطولة على أساس هذه الرؤية مع كلا الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي خلال زيارتي لهما، حيث أخذتُ انطباعاً قوياً بأن كلا الجانبين أكد على أن مفاوضات السلام هي المخرج الوحيد، ورغبا في مواصلة المفاوضات وتحقيق نتائج لها، وأجمعا على أن الوقت الراهن هو فرصة كبيرة. وقلتُ لكلا الجانبين إن الاعتراف المتبادل بحق وجود الجانب الآخر هو أساس المفاوضات، وإن المراعاة المتبادلة لهموم الجانب الآخر هي عنصر لا غنى عنه، وإن التفكير للجانب الآخر هو طريق إيجابي لتعزيز المفاوضات. ويجب إقناع الجانب الآخر بالمنطق ولا بالقوة في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية. وأكدتُ للجانبين بوضوح على أن هذا التراب هو بيت مشترك للفلسطينيين والإسرائيليين. قد تمت إقامة دولة لإسرائيليين لأكثر من 60 عاماً، غير أن إخواننا الفلسطينيين وأخواتنا الفلسطينيات ما زالوا ينزحون ويهاجرون، ولم يحققوا حقهم المشروع في إقامة الدولة، هذا غير عادل وغير معقول، ولا يجوز استمرار هذا الحال. فندعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة على أساس حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ومن ثم تحقيق التعايش السلمي بين الدولتين فلسطين وإسرائيل، بحيث يكون السلام في الشرق الأوسط مضموناً. سنواصل بذل الجهود في هذا الاتجاه. وأنا على ثقة بأن هناك أمل للمفاوضات الجارية طالما يبذل الجانبان جهوداً مشتركة ويقدم المجتمع الدولي دعماً قوياً.

فيما يتعلق بالآلية الرباعية، أولاً، نأمل في أن تلعب الآلية الرباعية دوراً فعلياً، وخاصة في المرحلة الحيوية الراهنة التي تعيشها مفاوضات السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. ثانياً، تتخذ الصين موقفاً منفتحاً، وهي على استعداد للمشاركة في الآلية الرباعية إذا ما أرادت الآلية ذلك. ثالثاً، تحرص الصين على تعزيز مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية حتى ولو كانت خارج الآلية.

س: إن المسألة السورية معقدة أيضاً، واستخدمت الصين وروسيا حق النقض لثلاث مرات ضد مشروعات قرار بشأن المسألة السورية، مما أثار جدلاً كبيراً. فكيف ينظر الجانب الصيني إلى مستقبل المسألة السورية وخاصة أن الشعب السوري ما زال ينزف؟ وهل سيحضر الجانب الصيني مؤتمر جنيف 2 الذي سيُقعد قريباً وما هو دوركم في المؤتمر؟

وانغ يي: بما أنكم ذكرتم التصويت الصيني في مجلس الأمن الدولي، فأحرص على القول للأصدقاء العرب إن الصين دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وتدرك مسؤولياتها والتزاماتها في حفظ السلام والاستقرار الدوليين، وتتخذ موقفاً جاداً ومتأنياً للغاية في التصويت. نلتزم بالمبادئ التالية: أولاً، ضرورة الحفاظ على مقاصد ميثاق الأمم المتحدة والقواعد الأساسية للعلاقات الدولية وفي مقدمتها مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية والمساواة بين جميع الدول مهما كان حجمها، لأن ذلك هو الضمان الأساسي لحياة الدول النامية، وخاصة الدول الصغيرة والمتوسطة؛ ثانياً، ضرورة الحفاظ على الاستقلال لجميع البلدان وسيادتها وسلامة أراضيها، باعتبار ذلك النظام الدولي الأساسي، وسيشعر كثير من الدول بعدم الطمأنينة في حال كسر هذا المبدأ؛ ثالثاً، ضرورة الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة، والحرص على المصلحة الأساسية والطويلة المدى للدول المنطقة وشعوبها واتخاذ موقف من أجلها.

يؤكد الجانب الصيني دائماً على إنه لا حل للمسألة السورية إلا الحل السياسي. بعد ثلاث سنوات من الاشتباكات والحرب في سوريا، يدرك الجميع الآن أن الحرب لن تحل المشكلة، وأن العنف لن يساهم إلا في زيادة الكراهية. وإن عدداً متزايداً من الدول يدعم العودة إلى مسار الحل السياسي.

ما زال هناك عمل كثير ينتظرنا من أجل إنجاح مؤتمر جنيف 2، وفي صدارة ذلك وقف إطلاق النار ومنع أعمال العنف في أسرع وقت، فلا يمكن التصور أن يجتمع البعض من الجانبان هنا بينما يقاتل البعض الآخر منهما هناك. وفي الوقت نفسه، لا يجوز وقف عملية تدمير الأسلحة الكيميائية في سوريا، بل ويجب تعزيزها بخطوات تدريجية، وصولاً إلى تدمير جميع الأسلحة الكيميائية في سوريا بشكل كامل ونهائي. يشكل مؤتمر جنيف 2 إطاراً لحل المسألة السورية سياسياً، فيجب على المجتمع الدولي بما فيه الصين العمل على تهيئة ظروف مواتية ومناخ ملائم للمؤتمر، وحث الطرفين في سوريا على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. يمكننا أن نقدم لهما مقترحات وحتى مشروعات أو تصورات الحل، ولكنها فقط للمراجعة، ولا يجوز إجبارهما على قبولها، لأن المسألة السورية لن تجد حلاً نهائياً إلا من خلال المفاوضات بين الطرفين في سوريا على قدم المساواة. من المتوقع ألا يكون طريق المفاوضات مفروشاً بالورود، بل وهو مملوء بالتعرجات، غير أن المفاوضات السلمية هي الاتجاه الثابت، وقد تم تحديد الهدف لها، ألا وهو تنفيذ بيان اجتماع جنيف. فنأمل في أن تبدأ المفاوضات، بل وتستمر، ويبقى زخمها حتى ولو تستغرق زمناً أطول.

س: هل سيحضر الجانب الصيني مؤتمر جنيف 2؟

وانغ يي: طبعاً سيشارك الجانب الصيني في مؤتمر جنيف 2، علماً بأننا بذلنا جهوداً حثيثة لعقده. نأمل في أن يُعقد هذا الاجتماع في موعده المحدد في يوم 22 يناير القادم، وسيلعب الجانب الصيني دوراً مطلوباً في هذا الصدد.

س: إن مصر أول دولة عربية وإفريقية أقامت العلاقات الدبلوماسية مع الصين، وإن الصين أول دولة زارها الرئيس المصري السابق محمد مرسي بعد توليه الحكم. غير أن مصر شهدت اضطرابات مستمرة بعد الانقلاب، فكيف ينظر الجانب الصيني إلى مستقبل مصر؟

وانغ يي: إن مصر صاحبة حضارة عريقة وكذلك دولة هامة في العالم العربي وإفريقيا. ويربط بين الصين ومصر التواصل الودي منذ زمن بعيد، كما لعبت مصر دورا مهما جدا في صيانة السلام والاستقرار في المنطقة. إن الاضطرابات الظاهرة في مصر في السنوات الأخيرة ليست في مصلحة الاستقرار والتنمية في مصر، بل ولا تخدم دور مصر في المنطقة. يعتقد الجانب الصيني أن مصر تمر بمرحلة التحول السياسي والاجتماعي، وتعمل على استكشاف طريق تنموي يتناسب مع ظروفها الوطنية. ونعرب عن تفهمنا وتأييدنا لذلك. وإن الشعب المصري شعب عظيم، فنثق بأنه يتمتع بما يكفيه من الحكمة والقدرة على إيجاد طريق تنموي يخدم مصلحة مصر ويحظى بقبول الشعب ويتناسب مع الظروف الوطنية لمصر. وفي الآونة الأخيرة، يسير الوضع في مصر نحو الاتجاه الإيجابي، واستقبلنا مؤخرا وزير الخارجية المصري في الصين. وانطباعي هو أن مصر بصدد استرجاع ثقتها بنفسها، وترغب في تعزيز التواصل مع العالم بشكل أكثر إيجابية، بما فيه مختلف الدول الكبيرة. هذا أمر جيد جدا. ونأمل في أن تستعيد مصر الاستقرار وتحقق التنمية حتى تلعب دورها كبلد كبير في المنطقة مرة أخرى.

س: شهدت العلاقات بين إيران والولايات المتحدة نوعا من الانفراج، كما دخل ملف إيران النووي مرحلة جديدة. غير أن الخلافات تتزايد بين إيران وبعض الدول العربية وخاصة دول الخليج. فكيف تحقق الصين التوازن فيما بين علاقاتها مع إيران ومع دول الخليج والسعودية على وجه الخصوص؟

وانغ يي: تعمل الصين دائما على إقامة العلاقات الودية والطبيعية مع كافة دول العالم على أساس المبادئ الخمسة للتعايش السلمي. فلنا علاقات متميزة مع الدول العربية، ونحافظ على علاقة طبيعية مع إيران.

بالنسبة إلى ملف إيران النووي، إن الموقف الصيني واضح وثابت جدا. نرفض تطوير وامتلاك إيران الأسلحة النووية، وندعم إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط. وشاركنا في عملية التفاوض بشأن ملف إيران النووي، وبعد عشر سنوات من المفاوضات، توصلت دول 5+1 وإيران إلى أول اتفاق بينها في جنيف مؤخرا، الأمر الذي يخطو الخطوة الأولى تجاه الحل السلمي لملف إيران النووي، وذلك لم يأتي بسهولة. ورغم أنه مجرد اتفاق أولي، غير أنه فرض قيودا ضرورية على برنامج إيران النووي، مما بدد القلق الأكثر الإلحاحا لدى المجتمع الدولي. فالأولوية الآن هي تنفيذ هذا الاتفاق على أرض الواقع، فإن الستة أشهر القادمة ستكون محكا لكل من إيران الأطراف الأخرى على مدى جديتها في الوفاء بمسؤولياتها والتزاماتها. وفي نفس الوقت، يجب التمسك بالفرص الظاهرة لإجراء مزيد من المفاوضات، وصولا إلى اتفاق نهائي يحل ملف إيران النووي بشكل شامل ونهائي، وبذلك سيتم حل هذا الملف من جذره، وهذا يخدم مصلحة إيران ومصلحة المنطقة كلها.

نأمل من إيران ودول الخليج العربية أن تحل الخلافات بينها عبر التشاور والمفاوضات. ونبذل جهودا في هذا الصدد، ونثق بأن إيران ودول المنطقة قادرة على إيجاد حل مناسب للخلافات بينها، وتحقيق العلاقات الأكثر تناغما ووئاما فيما بينها.

س: إن الاستخدام السلمي للطاقة النووية مجال مهم جدا للتعاون، ويأمل الكثير من الدول العربية في تعزيز التعاون مع الصين في هذا المجال، فمتى سنرى التعاون الصيني العربي في هذا المجال؟

وانغ يي: نقوم بالتعاون مع الدول العربية في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية بخطوات تدريجية، ونتخذ موقفا إيجابيا من هذا التعاون باعتباره مجالا جديدا لتعاوننا مع دول المنطقة القائم على المنفعة المتبادلة. وفي جولتي هذه، تطرقتُ إلى هذا الموضوع مع كل من الجزائر والسعودية، وسبق لنا أن وقعنا اتفاقيات مع الدول المعنية في هذا المجال، وهناك آفاق واعدة أمام هذا التعاون.

س: ساعدت الصين دول كثيرة على إطلاق أقمار صناعية، ولكن لغاية الآن، لم تطلق أي قمر صناعي لدول الشرق الأوسط، ومتى سنرى أقمارنا الصناعية المصنوعة في الصين في سماء الشرق الأوسط؟

وانغ يي: نحن منفتحون على النقاش مع جميع الدول العربية التي تريد إطلاق أقمار صناعية بمساعدة الصين، ونأمل في أن نحقق هذا الهدف في المستقبل القريب.

س: يرى البعض أن دور الصين في منطقة الشرق الأوسط يتركز في المجال الاقتصادي، فكيف تعزز الصين دورها السياسي؟ وبالإضافة إلى ذلك، لاحظنا أن المساعدات الإنسانية التي تقدمها الصين للمنطقة وخاصة للاجئين السوريين والفلسطينيين محدودة، رغم أنها ثاني أكبر اقتصاد العالم، فما هو تفسيرك لذلك؟

وانغ يي: قد يكون هناك سوء الفهم في هذا المجال. إن الدور الذي تلعبه الصين في هذه المنطقة عامة وفي الدول العربية خاصة لا يقتصر على المجال الاقتصادي، بل نحن على استعداد لإجراء التعاون المتبادل المنفعة مع كافة دول المنطقة في المجالات السياسية والأمنية والعسكرية. ولكن علينا أن نعمل وفقا للأولويات، ويتم توسيع التعاون بشكل تدريجي مع تنامي القدرة الصينية. وفي هذه السنوات، ركزت الصين جهودها بالفعل على تعزيز التعاون الاقتصادي، وذلك جاء من إيماننا بأن التنمية هي المفتاح والأساس لحل جميع المشاكل، والحلول للقضايا الساخنة والمشاكل السياسية تكمن دائما في تنمية الاقتصاد وتحسين معيشة الشعب. وإن الدول العربية مثلنا، تتمثل مسؤوليتها الأهم في تحقيق التنمية الذاتية والنهضة الاقتصادية. وإن الصين على استعداد لمواصلة تقديم المساعدة والدعم في هذا الصدد بقدر الإمكان. منذ عام 2012، قدم الجانب الصيني لست مرات مساعدات إنسانية قيمتها 18 مليون دولار أمريكي للشعب السوري، بمن فيهم اللاجئون السوريون داخل الأردن وتركيا ولبنان.

وإن الدعم الصيني ليس وليد اليوم أو الأمس، ففي الوقت العصيب الذي لم نكن نحقق إنجازات التنمية مثل اليوم، كنا نشد أحزمتنا لدعم القضايا العادلة لشعوب منطقة الشرق الأوسط عامة والشعب الفلسطيني خاصة.

سنواصل جهودنا في هذا المجال في المستقبل. وعلى هذا الأساس، سنلعب دورنا أيضا في المجال السياسي. ولن يلعب الجانب الصيني إلا مزيدا من الدور السياسي في منطقة الشرق الأوسط وليس العكس. ففي هذا العام، استقبلنا القيادتين الفلسطينية والإسرائيلية في نفس الفترة الزمنية، واستضفنا في بجين مؤتمر الأمم المتحدة لدعم السلام الفلسطيني الإسرائيلي، وبعث الرئيس شي جينبينغ برقية التهنئة بشكل خاص لمؤتمر الأمم المتحدة لإحياء "اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني". وفي جولتي هذه للشرق الأوسط، حضرت جلسة الحوار بين الشخصيات الفلسطينية والإسرائيلية الداعية للسلام، حيث دعونا أصحاب الرؤية الثاقبة من الجانبين للجلوس مع بعضهم البعض ووفرنا لهم منبرا للتعبير عن الآراء وإيجاد قواسم مشتركة أوسع وإطلاق نداءات السلام سويا. وأعتقد أنها جهود مفيدة، وإن مواصلة بذل مثل هذه الجهود ستعزز صوت السلام وتزيد القوة الداعمة للسلام بشكل تدريجي، وبالتالي ستشكل قوة دافعة لمفاوضات السلام وتلقي أثرا إيجابيا عليها.

بخلاصة القول، إن هذا الدور الشامل الذي تلعبه الصين سيكون ملحوظا بشكل أكبر وأكثر لدى الدول العربية، ويحظى بتفهمها ودعمها.

س: أصبح الوضع في جنوب السودان معقدا الآن، فإن الصين كدولة صديقة لجنوب السودان وصاحبة المصلحة الهامة فيها أرسلت مبعوثها على الفور للقيام بالتوسط. فما هو موقف الصين من قضية جنوب السودان وما هو الدور المتوقع للصين في جنوب السودان؟

وانغ يي: نتابع بالفعل وباهتمام بالغ الوضع في جنوب السودان. إن جنوب السودان دولة وليدة حديثة، تحتاج إلى التنمية وإعادة الإعمار في كل المجالات، فأهم الشيء بالنسبة لها هو الاستقرار والتنمية وبناء الوطن بخطوات متزنة، وهذا هو ما يتفق مع المصالح الجوهرية لكافة القوميات في جنوب السودان. وإذا اندلعت الاشتباكات بين الأطراف المختلفة، فالمتضرر الأول والأخير سيكون جميع أبناء شعب جنوب السودان، وهذا لا يصب في مصلحة جنوب السودان على الإطلاق. بعد اندلاع الاشتباكات، وجهنا نداءات باستمرار على الساحة الدولية، وأرسلنا ممثلنا الخاص للمشاركة في عملية الوساطة ودعمنا بشكل نشط جهود الوساطة التي تبذلها دول الإيجاد.

يمكن تلخيص موقف الجانب الصيني في أربع نقاط. أولا، وقف إطلاق النار ومنع أعمال العنف فورا وإطلاق المفاوضات السلمية والحفاظ على النظام القانوني والاجتماعي هنالك. ثانيا، إطلاق عملية الحوار السياسي الشامل في أسرع وقت ممكن لإيجاد تسوية يقبلها الطرفان. ثالثا، يجب على المجتمع الدولي تعزيز الجهود السلمية، وحث الطرفين على إجراء مفاوضات جادة. رابعا، تخفيف الوضع الإنساني في جنوب السودان. إن عددا كبيرا من المدنيين زج بهم في أتون الحرب وتتعرض سلامتهم وممتلكاتهم للتهديد، فيجب على المجتمع الدولي أن يقدم الدعم والمساعدة بقدر الإمكان. وفي نفس الوقت، نأمل بل نثق بأن حكومة جنوب السودان ستتخذ إجراءات فعالة وملموسة لضمان سلامة المواطنين الصينيين الموجودين وممتلكاتهم.


س: معاليكم خبير في الشؤون الآسيوية. قامت الصين مؤخرا بتحديد منطقة تمييز الهوية لأغراض الدفاع الجوي في بحر الصين الشرقي، الأمر الذي لفت أنظار الجميع. فكيف ينظر الجانب الصيني إلى السلام والاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في المستقبل؟ وخاصة بعد أن حولت الولايات المتحدة الثقل الاستراتيجي من الشرق الأوسط إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ؟

وانغ يي: أولا، إن منطقة آسيا هي منطقة واعدة يسودها السلام بشكل عام، حيث يتعايش مختلف الدول فيها تعايشا وديا، ويحافظ اقتصادها على النمو المتميز والسريع. وإذا نظرنا إلى العالم، فسنجد أن آسيا وخاصة شرق آسيا تشهد نموا أسرع وتتمتع بإمكانية أكبر. أما بالنسبة إلى المشاكل التي خلفها التاريخ في هذه المنطقة، فتمر جميعها بعمليات الحل عبر المفاوضات السلمية. طبعا، نعرف أن الولايات المتحدة لديها تأثير تقليدي ومصالح واقعية في هذه المنطقة، هذا أمر طبيعي، لأن الولايات المتحدة هي دولة كبيرة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ أيضا. يحترم الجانب الصيني المصلحة الأمريكية المشروعة في هذه المنطقة، ويأمل من الجانب الأمريكي أن يلعب مزيدا من الدور البناء في شؤون المنطقة. قال الرئيس الصيني شي جينبينغ إن المحيط الهادئ كبير بما فيه الكفاية لاستيعاب التنمية المشتركة للصين والولايات المتحدة. وفي شهر يونيو الماضي، التقى الرئيس شي جينبينغ مع الرئيس باراك أوباما في منتجع أننبرغ بولاية كاليفورنيا، وتبادل الجانبان وجهات النظر بصورة معمقة للغاية حول مواضيع واسعة النطاق، وكان الحديث متميزا جدا وتوصل الجانبان إلى توافق الآراء في كثير من المجالات، وخاصة ما طرحه الرئيس شي جينبينغ من ضرورة إقامة نوع جديد من العلاقات بين الدول الكبيرة مثل الصين والولايات المتحدة، الذي أعرب الرئيس أوباما عن اتفاقه الفوري على ذلك، حيث قال الرئيس شي جينبينغ إن هناك 3 سمات لهذا النوع الجديد من العلاقات، أولا، عدم المنازعة وعدم المواجهة، ثانيا، الاحترام المتبادل، ثالثا، التعاون والكسب للكل. وأعرب الجانب الأمريكي عن اتفاقه التام على ذلك أيضا. والآن، نعمل على ترجمة هذا النوع الجديد من العلاقات بين الصين والولايات المتحدة إلى أرض الواقع وتعزيزها وفقا للتوافق الذي توصلت إليه قيادتا البلدين. وتبدأ جهودنا في هذا الصدد من آسيا. نأمل في أن يعمل الجانبان الصيني والأمريكي على تعزيز التواصل والتنسيق بدءا من الشؤون الآسيوية، وإيجاد قواسم مشتركة أوسع وإجراء تعاون أكثر، بما يشكل تفاعلا إيجابيا في هذه المنطقة بشكل حقيقي، وذلك لا يخدم المصلحة المشتركة للصين والولايات المتحدة فحسب، بل يصب في مصلحة جميع البلدان في المنطقة. ونحن بصدد تحقيق تقدم مستمر في هذا المجال.

أما منطقة تمييز الهوية لأغراض الدفاع الجوي في بحر الصين الشرقي ، فهي أمر طبيعي، لأن هنالك عشرات من الدول قد حددت منطقة تمييز الهوية لأغراض الدفاع الجوي الخاصة بها، والبعض منها حددت هذه المنطقة منذ زمان، اليابان مثلا التي حددت المنطقة في عام 1969. كما حددت جمهورية كوريا والهند المجاورتان لنا مثل هذه المنطقة أيضا. فإن تحديد منطقة تمييز الهوية لأغراض الدفاع الجوي حق مشروع لنا يتفق تماما مع القانون الدولي والأعراف الدولية. وبالإضافة إلى ذلك، إن منطقة تمييز الهوية لأغراض الدفاع الجوي ليست أجواء إقليمية، ناهيك عن منطقة الحظر الجوي، ولا تغير الوضع القانوني للأجواء المعنية، ولا تؤثر على حرية العبور والملاحة الجوية المنصوص عليها في القانون الدولي. تم تحديد هذه المنطقة لبعض الوقت، وكان الوضع هادئا، لم يؤثر على أي رحلة من الرحلات المدنية. ولما نعود إلى ردور الأفعال اليابانية والأمريكية في الفترة السابقة، نجد أنها مبالغ فيها. كما تقول مقولة صينية: "لا يجوز السماح لكبار المسؤولين بإشعال نار ومنع المواطنين العاديين من إشعال الشمع". إن الجميع متساويون. لم تقم الصين بتحديد هذه المنطقة إلا قبل فترة وجيزة، فمن غير عادل أن توجه الدول التي حددت المنطقة المماثلة منذ فترة طويلة انتقادات بل واتهامات ضدنا. أما التفاصيل لتحديد مناطق تمييز الهوية لأغراض الدفاع الجوي، فهي بالفعل غير واحدة وتختلف من دولة إلى أخرى، لكن سبب ذلك يرجع إلى عدم وجود قواعد قانونية واضحة معترف بها دوليا في هذا الصدد. ويمكننا أن نجلس ونتحاور ونتواصل مع من يشك في بعض الإجراءات المفصلة، غير أن ضيق الصدر وشديد القلق حتى توجيه أصابع الاتهام ضد الصين بلا أساس وبشكل مستمر كما فعلته اليابان أمر غير ضروري على الإطلاق.

وفي الحقيقة، قد تكون هناك أجندات أخرى وراء تصرفات اليابان، تهدف إلى افتعال التوتر بين الصين واليابان بحيث تتمكن القيادة اليابانية من تنفيذ خطتها داخل اليابان، أي التخلص من كافة القيود المفروضة على اليابان بعد الحرب العالمية الثانية. ولاحظنا أن اليابان تعمل مؤخرا على الإسراع بإعادة تعزيز ترسانتها العسكرية، الأمر الذي يستحق متابعتنا، وخاصة في ظل غياب الفهم الصحيح من الحكام اليابانيين لتاريخ اليابان العدواني، إن خطوات اليابان المتسارعة لإعادة تعزيز ترسانتها العسكرية ستثير كل الحذر والحيطة من الدول المجاورة والمجتمع الدولي لا محالة.

وفي الآونة الأخيرة، ضرب رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي اعتراض شعوب الدول المختلفة عرض الحائط، وقام بزيارة معبد ياسوكوني الذي قد يكون غير معروف لدى الأصدقاء العرب، إن هذا المعبد ظل رمزا للنزعة العسكرية اليابانية والغزوات الخارجية في الماضي. وحتى يومنا هذا، ما زال هذا المعبد يزعم بمعروضاته أن الاعتداءات اليابانية على الآخرين كانت صحيحة، بل وما زالت تُقدس فيه أرواح 14 مجرم الحرب من الدرجة الأولى الذين حكموا في محكمة الشرق الأقصى الدولية. وعلى هذه الخلفية، أصر شينزو آبي على زيارة المعبد واعتبر مجرمي الحرب هؤلاء "أبطالا"، وقدم لهم "التقدير"، فهذا يتجاوز كل الحدود ولم يعد شأنا داخليا لليابان على الإطلاق. فإن الأجندة الحقيقية وراء هذه التصرفات هي محاولة تبييض العدوان الياباني على الآخرين، ونقض الحكم العادل الصادر عن محكمة الشرق الأقصى الدولية وتحدي لنتائج الحرب العالمية الثانية وما يبني عليها من النظام الدولي ما بعد الحرب، وذلك سيدفع اليابان نحو اتجاه خطر. من الضرورة بمكان الاستفادة من عبرة التاريخ ودروسه. لم يعد هذا الأمر مشكلة بين الصين واليابان فحسب، بل ويستدعى كل الاهتمام من المجتمع الدولي. إن التاريخ لا يقبل العودة إلى الوراء وإن السير في الطريق القديم غير مقبول. كانت الفاشية الألمانية موجودة في أوروبا بينما كانت الفاشية اليابانية موجودة في آسيا. وفي الصين وحدها، ترك الاعتداء الياباني وراءه 35 مليون قتيل وجريح، ناهيك عن الخسائر المادية الفادحة التي لا تقدر وتحصى. غير أن الأمة الصينية أمة متسامحة، لم نتخل عن طلب تعويضات الحرب فحسب، بل وقلنا لأبنائنا إن الشعب الياباني هو أيضا ضحية للنزعة العسكرية التي هي من يتحمل المسؤولية، ورموزها هم مجرمو الحرب من الدرجة الأولى الذين يقدسهم معبد ياسوكوني. ولا بد منهم تحمل مسؤولية الحرب. والآن، تجرأ شينزو آبي على زيارتهم وتقديسهم، الأمر الذي كسر الحد الأدنى من ضمير الإنسان، فهذا أمر غير مقبول على الإطلاق لا من الصين ولا من المجتمع الدولي. ولا يمكننا أن نتصور حدوث نفس الشيء في أوروبا. لا يمكن فتح آفاق مستقبلية حقيقية إلا بعد محاسبة الماضي بكل جدية، ولا يمكن استعادة الثقة من الدول المجاورة إلا بالتمسك باتجاه السلام. نأمل من القيادة اليابانية أن تفهم هذه الأساسية الأكثر بساطة وتحترم ضمير الإنسان والخط الأحمر المعترف به دوليا.

 

Suggest to a friend:   
Print